mahmoodtaha Admin
عدد المساهمات : 402 نقاط : 1125 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 01/06/2013 العمر : 29
| موضوع: -14- مو قف ا لا سلا م من ا لعنف الإثنين يونيو 10, 2013 6:10 pm | |
| - اقتباس :
لكي نبين موقف الإسلام من العنف، لابد أن نقف وقفة متأنية عند مشروعية الجهاد في الإسلام لأن الشباب المتشدد إنما يخلط خلطاً بين: العنف والجهاد، مع أن بينهما بونا شاسعاً، وتناقضاً ظاهراً.
الجهاد في الإسلام:
يقول تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍوَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِوَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. والآية تأمر بالإعداد "وأعدوا" وأما "ترهبون" فهو فعل مضارع يحدد هدف هذا الإعداد وهو: إخافة العدو حتى تتراجع لديه فكرة الحرب .. فيلقى السلاح .. فلا يكون قتال بالمرة .. والتعبير بالفعل المضارع "ترهبون" يعني دوام الاستعداد .. لتظل في الموقف الأقوى دائماً: قوة يعمل لها الأعداء ألف حساب .. وكلما جددوا سلاحاً .. سابقناهم إلى اختراع أقوى منه. وبذلك تصان دماء الإنسان حيثما كان .. بما فيها دماء أعدائنا .. وتلك هى إنسانية الإسلام .. دين السلام .. السلام الذي إذا دعينا إليه أجبنا، وذلك قوله تعالى: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَاوَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61].
ولكنه السلام من مركز القوة .. السلام المحروس بالإعداد والاستعداد .. والذي يكف الله به بأس الذين كفروا أما إذا انطلق السلام من معنى الضعف فإنه يعني الاستسلام الذي يرفضه الإسلام في قوله سبحانه: {فَلاَ تَهِنُواوَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِوَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَوَاللَّهُ مَعَكُمْوَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35].
ويجب أن يعلم الجميع أن حرب الإسلام دفاعية .. لا هجومية انتقامية، يقول ابن تيمية: "كانت سيرته r أن كل من هادنه من الكفار لا يقاتله، والمتواتر في سيرته أنه لم يبدأ أحداً من الكفار بقتال.
والمقصود من الجهاد في الإسلام هو: إحقاق الحق وإبطال الباطل.
ولقد وضع الإسلام ضوابط للقتال منها ما رواه عبد الرحمن بن عائذ قال: كان رسول الله r إذا بعث بعثاً قال: "تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل بيت من مدر ولا وبر أن تأتوني بهم مسلمين أحب إلى من أن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم".
ومن وصية أبي بكر t ليزيد بن أبي سفيان: "إنك ستلقي أقواماً زعموا أنهم قد فرغوا أنفسهم لله في الصوامع فذرهم وما فرغوا له أنفسهم". ومن وصية عمر t للجيش: "أمضوا باسم الله .. على عون الله .. وبتأييد الله .. وما النصر إلا من عند الله .. والزموا الحق والصبر .. ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ولا تجبنوا عند اللقاء .. ولا تمثلوا عند القدرة .. ولا تسرفوا عند الغلبة .. ولا تقتلوا شيخاً ولا امرأة ولا وليداً.
المصلحة والمفسدة:
إن تحصيل المصالح كما يقول العلامة الشاطبي أصل من أصول الشريعة لأن الشريعة الإسلامية إنما نزلت لتحصيل مصالح العباد الدينية والدنيوية ورفع المفاسد عنهم، وقد ثبت هذا المعنى يقينا من مقاصد الشرع في تنزيله وتضافرت عليه الأدلة العقلية والنقلية منها قوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، فمنعت الآية من سب آلهة المشركين وتحقيرها وهى مصلحة بلا شك في الدعوة إلى منع الناس من عبادتها حتى لا يسب المشركون المولى U فكانت مفسدة سب الباري U أعظم من كل مصلحة فيها ذم لآلهة المشركين ومثالبها أو الدعوة المترتبة على ذلك وكان التحريم بسبب ذلك.
ومن هذا القبيل وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها ما جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله r قال: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه".
والمصلحة في المحافظة على مقصود الشارع كما عرفها حجة الإسلام الغزالي ثم حدد أن مقصود الشارع من الخلق المحافظة على خمس ضرورات هى "الدين والنفس والعقل والنسل والمال".
ثم ذكر أن كل ما يكون دون هذه الأصول الخمسة أو أحدها فهو مفسدة وأن دفع هذه المفسدة مصلحة، فإذا تعارض مصالح ومفاسد فإنه يقدم درء المفسدة على جلب المصلحة وذلك في ضوء القواعد الآتية:
1- ضرورة اعتبار المصالح في أي عمل يأتيه المسلم أو الجماعة المسلمة.
2- أن المصلحة المرسلة المعتبرة شرعاً هى المصلحة العقلية أو الظنية أو الضرورة الكلية.
3- أن المصالح ترتب حسب أهميتها عند الاعتبار: الضرورية ثم الحاجية ثم التحسينية.
4- أن الشرع يختار أعلى المصلحتين ويدفع شر المفسدتين.
5- أن المصلحة من الأمر والنهي لو ترتب على تنفيذه مفسدة أعظم أو فوات مصلحة أعظم حرم فعله.
6- أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
حرمة قتل المستأمنيـن:
والأمان هو عهد بالسلامة من الأذى بأن تؤمن غيرك وأن يؤمنك غيرك وهو تعهد بعدم إلحاق الضرر من جهتك إليه ولا من جهته إليك وفي الاصطلاح الشرعي: "هو عقد بين المسلم والمشرك على الحصانة من لحاق الضرر من كل منهم للآخر ولا ممن وراءه" ودليله قول الله سبحانه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6].
ومتى انعقد الأمان صار للحربي المستأمن حصانة من إلحاق الضرر به سواء من المسلم المؤمن أو من غيره من المسلم أو حتى الذميين وفي الحديث: "فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله" [رواه البخاري].
موقف الإسلام من السياح:
والسياح الذين يدخلون البلاد الإسلامية سواء بتأشيرة من الدولة للدخول أو بدعوة من الشركات السياحية أو من الأفراد أو من الهيئات الأخرى فإن كل ذلك يعد أماناً لهم فلا يحل التعرض لهم بالقتل أو التعرض لأموالهم أو لأغراضهم ومن يفعل ذلك فهو مفتت على الإسلام غير فاهم له.
وإذا تأملنا ما سبق من حديث عن الجهاد وموانعه والمصلحة والمفسدة وضوابط ذلك لأدركنا أن إحدى المسائل وأولى القضايا بالتدقيق فيها ولزوم الورع في تناولها والتأني في الخوض فيها هى مسائل الجهاد التي تتعرض للدماء والأموال، وعلى شبابنا أن يكلوا هذه المسائل لأهل العلم والاجتهاد وأن يلتزموا العلماء الصادقين الثقات وأن يزاحموهم بالركب في مجالسهم وأن يكونوا معهم في محاربتهم ومع أهل الدعوة في هداية الخلائق ودعوة الناس إلى الخير، ولتكن عند قوله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاوَمَنِ اتَّبَعَنِيوَسُبْحَانَ اللَّهِوَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] ومما سبق نفهم أن الإسلام قد حرم العنف.
ولقد حرم الإسلام العنف، وذلك للأسباب التالية:
1- العنف منفر لا تحتمله طبيعة البشر العادية ولا تصبر عليه.
2- العنف قصير العمر والاستمرار عليه يؤدي إلى شر مستطير، ولقد قال r "أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل" [رواه البخاري ومسلم]، وقال r "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة" [رواه البخاري عن أبي هريرة].
3- العنف والشدة لا يخلوان من جور على حقوق أخرى يجب أن تراعى وواجبات يجب أن تؤدى وما أصدق ما قاله الحكماء: "ما رأيت إسرافاً وإلا بجانبه حق مضيع".
معالجة الإسلام لظاهرة العنف:
أولاً: إن العناصر المكونة للمجتمع الإسلامي هى:
أ - الحب .. حب العقيدة التي تموت لتحيا .. وحب الخير للغير.
ب- الرحمة .. التي يقول ربنا سبحانه {وَرَحْمَتِيوَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، فمن تعرض لها ناله كفل منها.
ج- العدل المطلق في القول "وإذا قلتم فاعدلوا" وفي الوجدان "اجتنبوا كثيراً من الظن" والعدل في العمل "لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا".
ومن هنا نفهم أن الإسلام يحرص على إشاعة تلك القيم وبثها بين أفراده فالذي يحب لا يكره والذي يرحم لا يقسو ولا يعنف والذي يعدل لا يظلم ولا يجور على حقوق الآخرين.
ثانياً: كفل الدين الإسلامي الأمن والأمان لجميع أفراده، بل لمن يدخل معنا في عقد أو صلح أو مهادنة وفي القرآن الكريم يقول سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُواوَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُوَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، وضد الأمن: الخوف ولأن الخوف يلتهم فضائل الحب فقد فصلت السنة المطهرة حق المسلم في أن يعيش آمناً مطمئناً بقدر ما حذرت من تخويفه أو ترويعه أو تفزيعه أو استعمال العنف معه ولو كان ذلك بالنظرة المخيفة حتى نهت السنة المطهرة عن مجرد الإشارة من المسلم إلى المسلم بما يخيف أي بما يترتب عليه خدشه لا جرحه، إن من حق المسلم على المسلم أن ينصره وأن يقاتل دونه لا أن يرهبه بالسلاح ويحمله عليه إرادة قتاله أو قتله ومن يفعل ذلك فليس منا فهو معزول عن المجتمع، وقد تواترت التوجيهات محذرة من ترويع المسلم، منها ما يروى عن عامر بن ربيعة t أن رجلاً أخذ نعل رجل فغيبها وهو يمزح فذكر ذلك للرسول r فقال: "لا تروعوا المسلم فان روعة المسلم ظلم عظيم" [رواه البراز والطبراني وابن حبان].
كذلك فان المؤمن مأمور ألا يشير إلى أخيه بالسلاح مجرد إشارة فضلاً عن أن يؤذيه به. روى مسلم في صحيحه أن رسول الله r قال: "من أشار إلى أخيه بحديده له فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن كان أخاه لأبيه وأمه". ينزع أي يرمي ما في يده وفي رواية لأبي هريرة في الحديث المتفق عليه: "فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده" وروى جابر أن رجلاً مر في المسجد بأسهم قد بدا نصولها فأمر أن يأخذ بنصولها حتى لا يخدش مسلماً [رواه البخاري]. والخدش: أول الجراح.
ثم: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً" [رواه الطبراني]، حتى لو كان الترويع مجرد مزاح لا يراد به الأذى: "لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً" وروى جابر قال: "نهى رسول الله r أن يتعاطي السيف مسلولاً" [رواه أبو داود والترمذي].
بل إن التحذير يظل قائماً حتى لو نظر إليه نظرة تخيفه: "من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق أخافه الله يوم القيامة".
ثالثاً: أقر الإسلام مبدأ السماحة مع المسلم ومع غير المسلم ولقد قال ميمون بن مهران: ثلاثة حق المؤمن والكافر فيها سواء:
1- الأمانة .. تؤديها إلى من ائتمنك عليها من مسلم أو كافر.
2- الوالدان .. تبرهما مسلمين أو كافرين.
3- العهد .. تفي به لمن عاهدت مسلماً أو كافراً.
ولا شك أن العنف يتنافى مع الأمانة لأنه لون من ألوان الخيانة للدين وللوطن ويتنافى مع البر لأن البر لا يكون عنيفاً، وإنما يخفض جناحه رحمة وشفقة بمن يبر ويتنافى مع الوفاء بالعهد لأن العنيف قد جبل على الغدر والخيانة لدينه ولمجتمعه.
رابعاً: لكي يؤكد الإسلام محاربته للعنف فإنه يعالجه بالدعوة إلى السلام، وهيا بنا نتأمل قول الرسول r "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحابيتم أفشوا السلام بينكم" وإذا كانت الجنة غاية المسلم فإن طريقها هو السلام لا إخافة الناس ولا العنف معهم.
خامساً: يحذر الإسلام تحذيراً شديداً من الغضب، لأن العنف يتولد عنه ولذا حين جاء رجل إلى رسول الله r فقال أوصني، قال لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب ولذا قالت الحكماء: إن أصول المعاصي كلها ثلاثة:
أولاً: تعلق القلب بغير الله.
ثانياً: طاعة القوة الغضبية.
ثالثاً: طاعة القوة الشهوانية.
سادساً: تصحيح مفهوم "الجهاد" لدى الشباب الذين يوسمون بالعنف فكراً وسلوكاً وكماً قلنا إن الجهاد في الإسلام وسيلة لا غاية، إنه وسيلة لرفع راية الدين وإعلاء كلمة الله فإذا لم يحقق الجهاد غايته كان ممنوعاً لما فيه من إراقة الدماء وذهاب الأرواح والأموال.
سابعاً: يحرص الإسلام – لكي يعالج ظاهرة العنف – على حرمة إلقاء النفس إلى التهلكة ولقد أجمع العلماء سلفاً وخلفاً على أن القدرة هى مناط التكليف وأن ما كان فوق الطاقة. فليس مما كلفنا الله تعالى به وأن العاجز غير مكلف أصلاً، إذاً فرحم الله هؤلاء الشباب الذين يرمون بأنفسهم في أتون معركة لا قبل لهم بها فيهلكون دون فائدة ترجى من وراء ذلك بل إنهم يزيدون الأمر بلاء وشدة وكرباً، لأن إلقاء النفس في التهلكة منهي عنه شرعاً وعقلاً وهؤلاء الشباب الذين يقدمون على قتال الحكومات، والأنظمة يهلكون أنفسهم وفوق ذلك يتسببون في العديد من المفاسد والشرور والتضييق على الدعوة الإسلامية وعلى رجالها وهذا لا شك في منعه وتحريمه.
ثامناً: لكي يعالج الإسلام العنف فقد حرم قتل المدنيين من غير أهل المقاتلة والمباغتة ولقد وضع الإسلام دستوراً حربياً عظيماً راعى فيه الحرمات ألا تنتهك وأمر فيه بالعدل والقسط فلا يجوز قتل النساء والأطفال والشيوخ، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْوَلاَتَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] ولا يقتل الأعمى ولا الراهب ولا العبد ولا الفلاحون ولا الصناع ولا يقتل المدنيون الذين لا يشاركون في القتال ولا ينصبوا أنفسهم له، ولا يجوز التمثيل بجثث القتلى لقوله r "اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا" [رواه أبو داود]. ولا تهدم منازل المحاربين ولا تحرق محاصيلهم وزروعهم ولا تقتل دوابهم لغير مصلحة، قال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَاوَيُهْلِكَ الحَرْثَوَالنَّسْلَوَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} [البقرة: 205].
تاسعاً: يأمرنا الإسلام – لكي نقضي على ظاهرة العنف – باستخدام سنة التدرج في معالجة المنحرفين وهى سنة كونية وشرعية، ولقد ورد أن عمر بن عبد العزيز t أراد أن يعود بالحياة إلى هدي الخلفاء الراشدين وذلك بعد أن يتمكن ويمسك الخيوط في يديه، ولكن كان ابنه الشاب الغيور عبد الملك من الأتقياء المتحمسين ينكر على أبيه عدم إسراعه في إزالة كل بقايا الانحراف والمظالم فقال له يوماً: مالك يا أبت لا تنفذ الأمور فوالله ما أبالي لو أن القدر غلت بي وبك في الحق؟! فكان جواب الفقيه المؤمن: لا تعجل يا بني فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة وإني أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدعوه جملة فيكون من ذا فتنة.
عاشراً: يدعونا ديننا الإسلامي .. لكي نعالج ظاهرة العنف – إلى أن نتلافى أسبابها تلك التي ذكرناها قبلاً. ويجب أن نتذكر: أن الدين يضيع بين غلو المغالين وتقصير المقصرين فلا تغال أيها الشاب المسلم مع المغالين ولا تقصر مع المقصرين وخذ بهدي نبيك الكريم r في كل وقت وحين. ويجب كذلك أن نصارح أنفسنا بأن الذي دفع بعض الشباب إلى العنف: الجهل والتعصب الأعمى والغرور والعجب والتعالي على الناس وهنا ننبه على دور المؤسسات العلمية والتربوية وعلى دور المجتمع وعلى الأسرة وعلى دور الدولة وعلى أجهزة الدعوة فالكل مسئول والكل لابد أن يقوم بدوره في أخذ الشباب إلى الرفق والرحمة والعدل والإنصاف.
الوقاية والعلاج:
إنه بالامكان التصدي لظاهرة العنف وذلك من خلال تقديم بعض السبل المناسبة للوقاية والعلاج؛ ويمكن تلخيصها كما يلي:
1- توجيه العناية نحو الفئات الأكثر قابلية لاستثارة العنف للتعرف على مثيرات العنف لديها ومحاولة خفض هذه المثيرات.
2- دراسة حالات العنف دراسة علمية مستفيضة لاستكشاف الجوانب العضوية والنفسية والاجتماعية التي تحتاج إلى علاج.
3- الحوار الصحي الايجابي لإعطاء الفرصة لكل الفئات للتعبير عن نفسها بشكل منظم وآمن يقلل من فرص اللجوء إلى العنف.
4- التدريب على المهارات الاجتماعية، حيث وجد أن الأشخاص ذوي الميول نحو العنف لديهم مشكلات كثيرة في التواصل والتفاعل الاجتماعي مما يضعهم في كثير من الأحيان في مواجهات حادة وخطرة مع من يتعاملون معهم، وهذا يستثير العنف لديهم، لذلك فإن برنامجاً للتدريب على المهارات الاجتماعية كمهارة التواصل ومهارة تحمل الإحباط وغيرها يمكن أن يؤدي إلى خفض الميول العدوانية لدى هؤلاء الأشخاص.
5- العقاب، أحياناً يؤدي العقاب المناسب (خاصة إذا كان قريباً من الفعل العنيف زمنياً) إلى تقليل حدة وتكرار السلوكيات العنيفة من خلال الارتباط الشرطي بين العنف والعقاب. ولكن إذا كانت هناك فترة زمنية طويلة بين الفعل العنيف وبين توقيع العقوبة، أو كان العقاب غير متناسب مع الفعل العنيف فإن العقاب ربما يؤدي إلى نتيجة عكسية فيزيد من احتمالات زيادة العنف، وهذا ملاحظ في الحالات التي تتعرض للإيذاء الجسدي والنفسي العنيف حيث يصبحون أكثر ميلاً نحو العنف، بل ويزداد عنفهم خطورة.
6- الاستجابات المغايرة، وهذه الطريقة تقوم على مواجهة السلوك العنيف بسلوك مغاير تماماً يؤدي إلى إيقاف العنف والتقليل من معاودته، وكمثال على ذلك إذا وجد الشخص ذوي الميول العنيفة أن الشخص المقابل يعامله بحب وتعاطف وشفقة فإن ذلك يقلل من اندفاعاته العنيفة، وهذا مصداق للآية {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَوَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُوَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34] وهناك مثال آخر: أن تقابل الميول العنيفة بالدعابة من الطرف الآخر، وقد وجد فعلاً بالتجربة أن الدعابة والطرافة في المواقف الحادة تقلل من احتمالات العنف، ووجد أيضاً أن إيقاظ الإحساس بالذنب أو الانغماس في نشاط ذهني معرفي، أو التعرض لبعض المثيرات المحببة للشخص، كل هذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض نزعات العنف.
7- العلاج الدوائي، وهذا العلاج يصبح ذو أهمية خاصة في الحالات المرضية كالاضطرابات العضوية أو النفسية وحتى في غير هذه الحالات وجد أن لبعض الأدوية مثل الليثوم وأدوية الصرع والمهدئات الجسمية أثراً على نزعات العنف.
وبالإضافة إلى ذلك، توجد بعض السبل الأخرى للوقاية والعلاج من العنف مثل ما يلي:
1- الكلمة الطيبة الوادعة: جاء في الحديث أن الكلمة الطيبة صدقة تدفع العنف والكراهية وتربي نفس الفرد على المودة وتساعده على حسن السلوك، وبإشاعة روح الكلمة الطيبة في المجتمع لن يجد العنف مجالاً للنمو والترعرع.
2- النظرات الهادئة الناعسة: توحي النظرات الناعسة والهادئة للطرف الآخر بالطمأنينة وعدم الارتياب والخوف وعدم التشنج بعكس تلك النظرات القاسية المشككة والتي تثير الاستفزاز، ولربما تؤدي النظرات الهادئة الناعسة إلى انتظام إفراز الهرمونات في الخلايا الجسمية المولدة للعنف وهذا يتضح من مراقبة بسيطة وتحليل لمواقف بعض الحيوانات إذ أنها تستطيع أن تقرأ أو تفهم روح العداء والعنف من عيون ونظرات الحيوان الآخر. فلحركة العيون في الإنسان أثر واضح في رد العنف والعدوان إذ نجد أنه كلما تناعست العيون أي قلت وخفت حدة نظراتها قل العنف والعنف المضاد في الإنسان وهو ما يظهر بوضوح وجلاء عند المرضى والكهول والشيوخ.
3- الاعتدال الغذائي: الامتناع عن تناول الأطعمة المثيرة للحساسية فمما لا شك فيه أنها تساعد على سوء الهضم وعدم انتظام أو قصور الإفرازات الهرمونية في الجسم الأمر الذي يؤدي بالفرد إلى التوتر والعصبية المصاحبة للعنف وحبذا لو يستشار الطبيب في هذا الأمر.
4- الهوايات الفردية والترويح النفسي: تساعد الهوايات الجسمية والنفسية على امتصاص عدم التوازن الهرموني في الجسم والمؤثر في السلوك الإنساني وتوجيهه باتجاه معاكس للعنف والعدوانية فهواية القراءة، وجمع الطوابع، والنقود، والموسيقى، والركض ولعب الكرة بأنواعها .. إلى غيرها من الهوايات التي تركن لها النفوس من دون حصر وكذلك إطلاق الحرية في اختيار الهواية المناسبة للأطفال والشباب حسب أعمارهم كالسباحة وركوب الخيل والدرجات والسيارات .. الخ تساعد على تحويل العنف إلى علاقات جسمية أو نفسية هادئة وديعة كما تصرف الذهن وخلاياه عن التفكير بالعنف لانشغالها وانغماسها بتلك الهوايات وتطويرها.
ولربما نستطيع التأكيد على أن من أهم الهوايات التي تقلل العنف أو تمنعه هى السباحة ومع الأسف نجد أن الكثير من البلدان الإسلامية ولأزمنة قريبة مثل ليبيا وإيران والسعودية واليمن لا تهتم بالسباحة بل تتركها للفرد والقدر وللاستثمار من دون إعطائها تلك الميزة التربوية على الرغم من توجيه وتوصية الإسلام بها فمع الأسف نجد أن أغلب المسابح أو كلها مسابح صيفية في الوقت الذي نلاحظ ندرتها في الشتاء وكأن العنف لديهم مرهون بفصل الصيف دون فصل الشتاء. كما تشير الإحصائيات الكثيرة إلى انعدام العنف أو تضاؤله عند أولئك الذين يمارسون هواية السباحة بشكل متواصل دون انقطاع حيث تقضي السباحة على التوتر الفكري والعصبي عند الإنسان وبصورة مباشرة. وحبذا لو يتم توسيع هذه الهوايات وإعطائها الطابع الإسلامي وتبينها من قبل المراجع والمسئولين عن تربية المجتمع وتوجيههم الصحيح بدلاً من العنف المصاحب لتأجيح العواطف واستفزازها.
إن هواية تربية الحيوانات والطيور المنزلية خصوصاً للأطفال والشباب تولد فيهم روح العناية الرعاية وحب الطرف الآخر وتغيير السلوك العدائي إلى سلوك التعايش السلمي كما تنمي موهبة التعامل لدى الفرد والطفل مع من هم أقل وأقصر منه، وتعلم كيفية تربيتها وتدجينها ودراسة سلوكياتها وأخلاقياتها مما يصرف الفرد أو الطفل عن روح العداء والتذمر والكثير من السلبيات الناتجة عن ضيق الصدر.
ولعلنا نستطيع القول وبحزم بأن من واجب الآباء دفع أبنائهم لممارسة واعتناق إحدى الهوايات أو عدداً منها ولربما نذهب بعيداً ونطالب الآباء والمسئولين والمتصدين للتربية وعلم الاجتماع إلى وضع دراسات اجتماعية وخلق هوايات جديدة تتناسب مع ذات المجتمع وعواطفه وميوله من دون تقليد للآخرين ونختم هذه الفقرة بما روي عن الإمام علي t قوله "روّح النفس ساعة فإنها إن ملت كلت وإن كلت عميت".
5- الاسترخاء: تفيد عمليات الاسترخاء كثيراً في التقليل من محاولات العنف المصاحب للغضب وعملية الاسترخاء تعني ترك العضو الجسمي كاليد أو الرجل من دون حركة لفترة زمنية وبصورة لا يتدفق فيها الدم إلى العضو الجسمي بكميات كبيرة وهو أشبه إلى التخدير منه إلى النوم.
6- تقوى الله: إن تقوى الله وهو الملاذ الأكبر في نهاية المطاف يمنع القسوة والغلظة وهو بالتالي يردع العنف رغم حق القصاص الفردي الذي قد يتضائل أمام مفهوم العفو والإصلاح ومصداقية الفرد المؤمن.
7- الصلوات والتوجه إلى الله: تمثل الصلوات وسيلة من وسائل ردع العنف عند الشخص بينما يساعد التوجه إلى الله على توازن وانتظام الإفرازات الهرمونية الجسمية عند الفرد بإبعاده عن مكونات الإثارة والاستفزاز.
8- الأجواء البينية: للبينة تأثير كبير على تصعيد درجة العنف عند الفرد فالصحراء والطبيعة القاسية والنحيب والضجيج وعدم الاستقرار والهدوء وحتى التلوث البيئي لأي سبب من الأسباب يعتبر من إحدى المقومات الاستفزازية الباعثة والمسببة للعنف أو حتى تقبله بصورة طبيعية إذ أن الانتظام الهرموني والسلوكي مرهون بالتأثرات والتغيرات البيئية المحيطة بالفرد وعليه ينصح العلماء باختبار البيئة الجوية والاجتماعية المناسبة لتقليل العنف المصاحب للتوتر في مثل هذه الحالات.
9- رفع القهر الاجتماعي: لاحظنا أن القهر الاجتماعي هو أحد مكونات العنف عند الفرد وبالتالي لابد من إتباع الوسائل التي تقلل من تأثيرات هذا القهر وينصح العلماء بأن المشاركات الاجتماعية والانضمام للجمعيات الإصلاحية ومساندتها مثل جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات الرفق بالحيوان وجمعيات الدفاع عن حقوق المرأة وجمعيات الرعاية الصحية وجمعيات الإحسان الخيرية ونقابات العمال والفلاحين .. الخ تعتبر من الوسائل المهمة في تقليل العنف المصاحب للقهر الاجتماعي.
10- النضج السلوكي: تكليف الشباب والصغار بمسئوليات ومهام منزلية، أو إدارية يساعد كثيراً في النضج السلوكي لديهم عن غيرهم ممن لم يحضوا بهذه الخصوصية. إن معاملة الصغير بأسلوب كبير يساعد على نضجه السلوكي الأمر الذي يقلل من انفعاليته وعنفه.
11- الحركات الكشفية: إن مشاركة الشباب والأطفال بالحركات الكشفية أصبحت في الوقت الحالي ضرورة من ضروريات المعاملة الكفوءة مع الأحداث اليومية للحياة ويلاحظ أن مردودها النفسي يفيد كثيراً في التقليل من العنف لدى الأفراد حتى بعد تركهم تلك الحركات الكشفية.
12- نظرية امتصاص العنف بالعنف: يؤمن البعض بأن العنف ذاته قد يشكل رادعاًَ للعنف إذا تم استخدامه بصورة علمية ومدروسة مثل مباريات الملاكمة والمصارعة وكرة اليد والركبي هى من الألعاب والهوايات العنيفة التي وضعت وفق أسس أخلاقية واجتماعية تجارية وتربوية قادرة على تحويل العنف السلبي إلى عنف رياضي ايجابي يكتسب الاحترام. كما أن أفلام العنف أيضاً تشكل مثلاً آخراً على نظرية امتصاص العنف بالعنف والتخلص من المحاربين بالحرب .. وهكذا تطغى التجارة حتى على عقول الأطفال والمراهقين الذين ليست لهم القدرة على استيعاب فكرة امتصاص العنف بالعنف المضاد. والحقيقة أن الأمثلة السابقة لا تقدم دليلاً على امتصاص أو تقليل العنف بالعنف بل يمكن تكليف الشخص بأعمال عضلية عنيفة مثل الركض ورفع الأثقال وتقطيع الشجر وتكسير الحجر.
13- الحب والزواج: الحب نقيض الكراهية وهى إحدى مقومات ومولدات العنف في النفس البشرية وفي مجتمعاتنا حيث ينظر للحب بمنظار سلبي ترتفع نزعات الحقد والكراهية والتطرف الناتج عن الكبت العاطفي المثير للعنف الجنسي والعدوانية وبإطالة فترة الخطوبة بين الجنسين يتعلم الطرفان خلالها تغليب سلوك الحب ومراعاة الطرف الآخر علاوة على ايجابيات أخرى نحصد في محصلتها انتفاء الكراهية والعنف بين الطرفين وفي كل المجتمع.
(*) يمكن الرجوع إلى مقالات محمد متولي منصور في جريدة صوت الأزهر. | |
|